تم ابتكار مصطلح الذكاء الاصطناعي عام 1956، ومذ ذلك الوقت وحتى الآن أصبح أكثر شيوعا واستخداما في مختلف المجالات بفضل زيادة حجم البيانات، والخوارزميات المتقدمة، والتحسينات المتتالية في قوة الحوسبة والتخزين.
والذكاء الاصطناعي محاولة لتعليم الآلات محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أجل تسهيل حياة البشر، وجعل الآلات تؤدي مهام كثيرة كانت تأخذ جهدا ووقتا كبيرا من البشر.
وبينما تصور أفلام هوليود وروايات الخيال العلمي الذكاءَ الاصطناعي على أنه عبارة عن روبوتات شبيهة بالإنسان ستسيطر على العالم وتقضي على البشرية، فإن التطور الحالي لتقنيات الذكاء الاصطناعي ليس مخيفا، أو ذكيا إلى هذا الحد. وبدلا من ذلك، تطور الذكاء الاصطناعي ليوفر العديد من المزايا المحددة في كل صناعة بما يخدم البشرية ويساعد على تقدمها وازدهارها.
ذكرت دراسة نشرتها منصة “ساينس دايركت” (Science Direct) مؤخرا أن الذكاء الاصطناعي برز كأولوية تكنولوجية عليا للشركات والمنظمات على مدى السنوات القليلة الماضية، مدفوعا إلى حد كبير بتوافر البيانات الضخمة وظهور تقنيات جديدة وبنية تحتية متطورة، وذكرت الدراسة أن عدد المنظمات والشركات التي تطبق الذكاء الاصطناعي نما بنسبة 270% السنوات الأربع الماضية.
ولا عجب فالذكاء الاصطناعي قادر على توفير مزايا تنافسية كبرى لهذه الشركات في سوق العمل، وهو مفيد أيضا في إنشاء بنى تحتية أكثر كفاءة، وإحداث تأثير إيجابي على مناحي الحياة. ولهذا السبب تعمل البلدان والحكومات على صياغة إستراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي لضمان عدم تفويتها حيث يتمتع بالقدرة على تقديم نشاط اقتصادي عالمي إضافي بحوالي 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، أو حوالي 16% من إجمالي الناتج المحلي التراكمي مقارنة باليوم، كما ذكرت مجلة فوربس في تقرير لها مؤخرا.
وفي الحقيقة، فإن العالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس ذات العالم بعده، فالتغير يطال كل شيء حولنا، ويصل إلى كل القطاعات ليغيرها بشكل نهائي، حيث يمكنه المساهمة في تحسين كل منتج، وفي الواقع فإن الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل مستقبل البشرية للأفضل إذا ما أُحسن استخدامه.
لكل شيء حدود حتى للذكاء الاصطناعي
ومع كل ذلك، فإن هناك حدودا لما يمكن أن يصل الذكاء الاصطناعي إليه، وما يمكن وما لا يمكنه فعله، من مثل القدرة على التحليل والتفكير بالقياس كما يفعل البشر، وذلك كما ذكرت الدكتورة كلير ستيفنسون، الأستاذة المساعدة لطرق التحليل النفسي في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة أمستردام، فقالت “يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة معلومات أكثر من البشر، لكن هذا الذكاء لا يداني قدرة البشر على التفكير بالقياس، ويعتبر هذا النوع من التفكير المنطقي المبني على السبب والنتيجة أعظم قوة للذكاء البشري، حيث يمكن للبشر التفكير في حلول لمشاكل جديدة قد تواجههم في الحياة، قياسا على مواقف سابقة شبيهة حدثت في الماضي، وهذه القدرة غائبة فعليا عن الذكاء الاصطناعي”.
وفي هذا السياق، ذكرت منصة “أناليتكس إنسايت” (Analytics Insight) 5 أشياء لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعلها مهما أوتي من قوة وقدرات، وهي:
اتخاذ قرارات أخلاقية
اعتاد الناس اتخاذ قرارات أخلاقية فورية بناء على تحليلهم السريع لمحيطهم، والموقف الذي يجدون أنفسهم فيه. ومع ذلك، لا تستطيع الآلات القيام بذلك حيث يتخذ الذكاء الاصطناعي القرارات بناء على البيانات التي تمت تغذيته بها والقواعد التي يتم توجيهه من خلالها، وعلى الرغم من أن الآلات يمكن أن تمتثل للقانون تماما، فلا يوجد ما يضمن أن هذا الذكاء سيكون عقلانيا، أو يراعي الجانب الأخلاقي عند اتخاذه للقرارات المهمة.
الاختراع المبني على الإرادة الذاتية
من الناحية العلمية، نما المجتمع البشري وتطور الإنسان ببطء عبر ملايين السنين حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن، وفي هذه المسيرة الطويلة اخترع البشر الكثير من الأشياء بناء على حاجتهم، من المحراث وحتى المركبات الفضائية. وعلى الرغم من أن الآلات مصممة لتقليد البشر، فإنهم لا يستطيعون ابتكار أي شيء بناء على إرادتهم الخاصة، فكل ابتكاراتهم موجهة ومصممة من قبل الإنسان، وما يحتاجه.
التعلم من خلال التجربة
كما ذكرنا، فقد تعلم البشر وابتكروا الأشياء أثناء نموهم وتطورهم، لكن الذكاء الاصطناعي مختلف حيث تتم تغذية الآلات بالبيانات بدلا من أن تتعلمها أو تدركها مع الزمن. لذلك، لا يوجد في الذكاء الاصطناعي شيء اسمه التعلم من التجربة إلا ضمن نطاق محدود جدا ومبرمج مسبقا.
كتابة البرامج الحاسوبية
تتطلب كتابة البرامج الحاسوبية فهما عميقا للعالم الحقيقي، والقدرة على تحويل تلك التعقيدات إلى قواعد، وعلى الرغم من تحقيق الكثير من التقدم والمزيد من القوة الحسابية، فلا يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على الفهم العميق للعالم الحقيقي بحيث يؤهله لكتابة برنامج حاسوبي وحده بدون أي تدخل بشري.
الإجابة عن الأسئلة المحيرة
يُعرف الذكاء الاصطناعي جيدا بقدرته على حل المشكلات، وتقديم إجابات تعتمد على البيانات، وقد يستغرق البشر أياما وشهورا لاكتشاف الحل الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي بسرعة فائقة خارج نطاق القدرة البشرية، وعلى الرغم من ذلك فلا يمكنه حل بعض الأسئلة المحيرة من مثل ما يعرف علميا باسم مشكلة هيلبرت العاشرة (Hilbert’s 10th problem) فلم يستطع الذكاء الاصطناعي حل هذه المعضلة.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية