بصرة مونيتر صحيفة عراقية – بصرية مستقلّة، تخاطب القرّاء باللغة العربية وتحرص على احترام عادات وتقاليد جميع أطياف الشعب
بقلم: نوفل العبيد | بصرة مونيتر
البصرة – العراق.
على الرغم من أن البصرة تطلّ على شط العرب وتتقاطع في جغرافيتها أنهار وأهوار تاريخية، إلا أنها اليوم في قلب أزمة مائية متصاعدة تهدد حياة الملايين، وتكشف عن خلل مزمن في البنى التحتية، والتخطيط، والإرادة السياسية.
اللسان الملحي يتقدم… والماء العذب يتراجع
تُعد مشكلة اللسان الملحي، المتمثلة في زحف مياه البحر المالحة داخل مجرى شط العرب، من أبرز التهديدات البيئية في الجنوب العراقي. هذه الظاهرة تفاقمت بسبب الانخفاض الحاد في تدفق نهري دجلة والفرات، مما أدى إلى إضعاف قدرة المياه العذبة على مقاومة المدّ الملحي.
وفقاً لوزارة الموارد المائية العراقية، فإن تدفقات المياه العذبة في شط العرب تقلّصت إلى مستويات تاريخية متدنية، ما تسبب في فساد مصادر الشرب والري، وإتلاف آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية.
صحة السكان في مهبّ التلوث
مياه الشرب التي تصل إلى منازل الآلاف من سكان البصرة، لا تفي بأبسط المعايير الصحية. التقارير الصادرة عن دائرة صحة البصرة خلال عام 2023، أظهرت ارتفاعًا مقلقًا في الأمراض المنقولة بالمياه، خصوصًا في المناطق الريفية والطرفية. وتشمل هذه الأمراض التهابات الأمعاء، مشاكل الكلى، وأعراض التسمم المزمن.
مشاريع عالقة… والسياسة في قلب الأزمة
خلال استضافته في برنامج “تغطية خاصة” الذي يُبث عبر راديو بصرة مونيتر، أشار علي العبادي، رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، إلى أن مشاريع تحلية المياه في محافظة البصرة – بما في ذلك مشروع القرض الياباني – لا تزال متوقفة، وعزا السبب إلى خلافات سياسية تحول دون تنفيذها الفعلي
وأكد العبادي أن “أزمة المياه ليست أزمة فنية أو مالية فحسب، بل تتشابك فيها الحسابات الحزبية والمواقف المركزية، مما يعيق تقدم المشاريع الحيوية التي ينتظرها المواطن البصري منذ سنوات.”
شهادات من الداخل: اتهام مباشر بالإهمال
في تصريحٍ علني غير مسبوق، قالت رئيسة لجنة النزاهة في مجلس محافظة البصرة بيداء الناهي خلال مكاشفة مباشرة مع المواطنين:
“من يقول إن مشكلة الماء المالح ستحل، هو أكبر كاذب… الدولة لم تكلف نفسها حتى بتنظيف محطات التحلية أو صيانتها.”
هذا التصريح يعكس حالة من الغضب المتصاعد داخل مؤسسات الحكم المحلي، ويؤكد حجم التقصير في صيانة وإدارة البُنى التحتية الحيوية، حتى في ظل اشتداد الأزمة.
مشاريع مؤجّلة… وخطط على الورق
رغم التصريحات الرسمية عن مشاريع كبرى، فإن الحلول الملموسة لا تزال محدودة. أبرز المشاريع المعلنة هو مشروع تحلية مياه البحر في منطقة أرطاوي، الذي أكد محافظ البصرة أسعد العيداني في تصريح صحفي مؤخرًا، أن كافة متطلباته الفنية والإدارية قد اكتملت، وأنه ينتظر الدعم من الحكومة الاتحادية للشروع بالتنفيذ.
كما تستمر الجهود ضمن مشروع القرض الياباني لتحسين منظومة المياه في المدينة، إلا أن هذه المشاريع – بحسب مراقبين – لا تزال دون مستوى الحاجة الحقيقية، خصوصًا مع بلوغ عدد سكان البصرة أكثر من 3.5 مليون نسمة، وتزايد الضغط على الموارد المائية الشحيحة (المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، 2024).
الأهوار تجف… والتغير المناخي يزيد الطين ملوحة
لا يمكن النظر إلى أزمة المياه في البصرة بمعزل عن جفاف الأهوار الواقعة في جنوب العراق، لاسيما في محافظة البصرة والمناطق المجاورة لها. هذه المسطحات المائية التي كانت تمثل رئة الجنوب، تراجعت بشكل حاد، نتيجة الانخفاض المستمر في التدفقات المائية والتغيرات المناخية القاسية.
تقارير منظمات دولية كـUNEP وFAO تشير إلى أن المنطقة تواجه واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود، مع معدلات تبخر مرتفعة، وتراجع في الأمطار، وانهيار تدريجي للنظام البيئي.
أزمة وجودية تتطلب إرادة سياسية
في المحصلة، تقف البصرة أمام أزمة وجودية تتجاوز حدود ملوحة المياه، لتكشف عن هشاشة في البنية المؤسسية، وتأخر في التنفيذ، وغياب للتخطيط الاستراتيجي المستدام. وبين تصريحات المسؤولين، وغضب الشارع، ووعود المركز، يبقى السؤال:
هل تُروى البصرة من جديد، أم تظل مدينة الماء… مدينة العطش؟
المصادر:
- وزارة الموارد المائية العراقية
- دائرة صحة البصرة – تقرير 2023
- الجهاز المركزي للإحصاء – تقرير سكاني 2024
- مؤتمر صحفي لمحافظ البصرة – يونيو 2025
- تصريح رئيسة لجنة النزاهة – لقاء مصور
- تقارير: FAO، UNEP، Nature Iraq
